تعتبر حاسة البصر نافذتنا الأثمن على العالم، ولكن هناك مجموعة من الحالات التي يمكن أن تهدد هذه النعمة، ومن بينها أمراض الشبكية الوراثية، وتُعد هذه الأمراض مجموعة من المشكلات البصرية المعقدة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، بما في ذلك مجتمعنا هنا في جدة.
تنتج هذه الحالات عن تغييرات أو طفرات في جيناتنا الموروثة وهي تؤدي بشكل تدريجي إلى تلف الخلايا الحساسة للضوء في الشبكية وهي الطبقة العصبية الرقيقة الموجودة في الجزء الخلفي من العين والمسؤولة عن التقاط الصور التي نراها.
يمكن أن يسبب هذا التلف ضعفًا تدريجيًا ومستمراً في الرؤية، وقد يصل الأمر في بعض الحالات الصعبة إلى فقدان البصر الشديد أو ما يُعرف بـ العمى الوراثي، وتشمل قائمة أمراض الشبكية الوراثية الشائعة حالات مثل التهاب الشبكية الصباغي ومرض ستارغاردت واعتلال ليبر الخلقي، وأنواع أخرى من الضمور الشبكي الوراثي.
ما هي أمراض الشبكية الوراثية؟
الشبكية هي بمثابة فيلم الكاميرا في عينك، تحتوي على ملايين الخلايا المتخصصة التي تسمى المستقبلات الضوئية. هذه الخلايا تلتقط الضوء الذي يدخل العين وتحوله إلى إشارات كهربائية يرسلها العصب البصري إلى الدماغ، والذي بدوره يترجم هذه الإشارات إلى الصور التي نراها.
أمراض الشبكية الوراثية هي مجموعة كبيرة ومتنوعة من الحالات التي تحدث بسبب خطأ أو طفرة في واحد أو أكثر من الجينات المسؤولة عن بناء وعمل خلايا الشبكية أو الخلايا الداعمة لها. هذه الجينات تحتوي على التعليمات الأساسية التي تحتاجها الخلايا لتعمل بشكل صحيح. عندما يكون هناك خطأ في هذه التعليمات، لا تستطيع خلايا الشبكية أداء وظيفتها كما ينبغي، وتبدأ في التلف تدريجياً مع مرور الوقت.
وبما أنها أمراض وراثية، فهذا يعني أن الطفرة الجينية تنتقل من الآباء إلى الأبناء عبر الأجيال. تُعرف هذه المجموعة أيضاً باسم اعتلال الشبكية الوراثي. يوجد الآن أكثر من 270 جيناً معروفاً بأن الطفرات فيها يمكن أن تسبب أحد أنواع أمراض العين الوراثية التي تؤثر على الشبكية.

أشهر أنواع أمراض الشبكية الوراثية
هناك العديد من الأنواع المختلفة من أمراض الشبكية الوراثية، كل منها ينتج عن طفرات في جينات مختلفة ويؤثر على الرؤية بطرق مميزة. من أبرز هذه الأمراض:
التهاب الشبكية الصباغي
- يعتبر هذا من أكثر أمراض الشبكية الوراثية شيوعًا.
- يؤثر بشكل أساسي على خلايا العصي في الشبكية، المسؤولة عن الرؤية في الإضاءة الخافتة والرؤية المحيطية.
- عادة ما تكون أولى الأعراض صعوبة الرؤية في الظلام أو ما يُعرف بـ العمى الليلي الوراثي.
- مع مرور الوقت، يفقد المريض مجال الرؤية الطرفي تدريجياً، مما يؤدي إلى ما يشبه الرؤية النفقية، وفي مراحل متقدمة قد تتأثر الرؤية المركزية أيضاً.
- يرتبط التهاب الشبكية الصباغي بطفرات في أكثر من 80 جيناً مختلفاً، مما يجعله مرضاً معقداً وراثياً.
مرض ستارغاردت
- هو السبب الأكثر شيوعًا للضمور البقعي الوراثي لدى الأطفال والشباب.
- يؤثر بشكل أساسي على البقعة، وهي الجزء المركزي من الشبكية المسؤول عن الرؤية الحادة والتفاصيل الدقيقة وتمييز الألوان.
- يؤدي إلى فقدان تدريجي للرؤية المركزية، مما يجعل القراءة والتعرف على الوجوه صعبًا، بينما تظل الرؤية الطرفية سليمة عادةً لفترة أطول.
- يحدث غالباً بسبب طفرات في جين يُدعى ABCA4، الذي يلعب دوراً في التخلص من المواد الثانوية السامة الناتجة عن عملية الإبصار في خلايا الشبكية.
اعتلال ليبر الخلقي
- هو أحد أشد أشكال أمراض الشبكية الوراثية ويظهر عادة عند الولادة أو خلال الأشهر القليلة الأولى من العمر.
- يسبب ضعفاً بصرياً شديداً أو عمى شبه كامل منذ الطفولة المبكرة.
- قد يعاني الأطفال المصابون أيضاً من حركات العين اللاإرادية السريعة وحساسية شديدة للضوء.
- ينتج عن طفرات في عدة جينات مختلفة، من أبرزها جين RPE65 الذي أصبح له علاج جيني معتمد الآن.
الضمور البقعي الوراثي وأنواع أخرى
- بالإضافة إلى ستارغاردت، هناك أنواع أخرى من الضمور الذي يصيب البقعة بشكل وراثي، مثل ضمور المخاريط أو ضمور المخاريط والعصي.
- متلازمة أشر: تجمع بين فقدان السمع والإصابة بالتهاب الشبكية الصباغي.
- انشقاق الشبكية المرتبط بالكروموسوم إكس: يسبب انفصال طبقات الشبكية ويؤثر بشكل رئيسي على الذكور.
- مشاكل الشبكية الوراثية تشمل أيضاً حالات نادرة أخرى تؤثر على وظائف محددة في الشبكية.

تشخيص أمراض الشبكية الوراثية
يعتبر الوصول إلى تشخيص دقيق ومبكر لأي من أمراض الشبكية الوراثية خطوة حاسمة، ليس فقط لفهم الحالة وتوقع مسارها، ولكن أيضاً لتحديد خيارات الإدارة المتاحة، وبشكل متزايد، لتحديد أهلية المريض للعلاجات المبتكرة مثل العلاج الجيني. يتضمن تشخيص أمراض الشبكية الوراثية عادة عدة خطوات:
- التاريخ الطبي والعائلي المفصل: سيقوم طبيب العيون بسؤالك بالتفصيل عن الأعراض التي تعاني منها، وعن أي حالات مشابهة لدى أفراد آخرين في عائلتك، فهذا يساعد في تحديد نمط الوراثة المحتمل.
- فحص العين الشامل: يتضمن قياس حدة البصر، فحص مجال الرؤية، وفحص قاع العين المفصل باستخدام أدوات خاصة لرؤية الشبكية والعصب البصري والكشف عن أي علامات مميزة للمرض.
- الفحوصات الوظيفية للشبكية: يعتبر مخطط كهربية الشبكية فحصاً أساسياً. يقيس هذا الاختبار النشاط الكهربائي لخلايا الشبكية استجابةً لوماضات ضوئية، ويمكنه تحديد ما إذا كانت هذه الخلايا تعمل بشكل صحيح ومدى تأثرها بالمرض، حتى قبل ظهور تغيرات واضحة في فحص قاع العين.
- التصوير المتقدم للشبكية: تستخدم تقنيات تصوير متطورة مثل التصوير المقطعي بالتماسك البصري للحصول على صور مقطعية عالية الدقة لطبقات الشبكية وتحديد أي تغيرات بنيوية دقيقة. كما يستخدم تصوير التألق الذاتي لقاع العين لتقييم صحة الخلايا الصباغية في الشبكية.
- الفحص الجيني: هذه خطوة حاسمة بشكل متزايد في تشخيص أمراض الشبكية الوراثية. يتم أخذ عينة من الدم أو اللعاب لتحليل الحمض النووي للمريض والبحث عن الطفرات المسببة للمرض في الجينات المعروفة بارتباطها بأمراض الشبكية.
إدارة وعلاج أمراض الشبكية الوراثية
حتى وقت قريب كان علاج أمراض الشبكية الوراثية يقتصر بشكل أساسي على إدارة الأعراض وتقديم الدعم للمرضى للتكيف مع فقدان البصر التدريجي. ومع أنه لا يوجد علاج شافٍ لجميع الحالات حتى الآن، فإن هناك عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد:
- المتابعة المنتظمة مع طبيب العيون: ضرورية لمراقبة تطور المرض، وتقييم حدة البصر ومجال الرؤية، والكشف عن أي مضاعفات محتملة وعلاجها.
- المكملات الغذائية والحماية: تشير بعض الدراسات إلى أن جرعات معينة من فيتامين A بالميتات قد تبطئ تقدم التهاب الشبكية الصباغي لدى بعض المرضى، ولكن يجب أن يتم ذلك تحت إشراف طبي دقيق بسبب مخاطر الجرعات العالية.
- أدوات المساعدة البصرية: مع تدهور الرؤية، تصبح هذه الأدوات ضرورية. تشمل النظارات المكبرة، العدسات التلسكوبية، البرامج والتطبيقات التي تكبر النصوص على الشاشات، وأجهزة القراءة الإلكترونية. تساعد هذه الأدوات في تحسين القدرة على القراءة وأداء المهام اليومية، والتعامل مع مشاكل الشبكية الوراثية في الحياة العملية.
- إعادة التأهيل البصري: برامج متخصصة تساعد المرضى على تعلم استراتيجيات جديدة لاستخدام ما تبقى لديهم من بصر بأقصى فعالية ممكنة، وتعلم مهارات التنقل والتكيف مع الحياة بوجود ضعف بصري.
- الشبكية الاصطناعية: في حالات العمى الوراثي المتقدم جداً الناتج عن التهاب الشبكية الصباغي، يمكن لبعض المرضى الاستفادة من زراعة شبكية اصطناعية. هذا الجهاز لا يعيد الرؤية الطبيعية، ولكنه يمكن أن يساعد بعض المرضى على تمييز الأضواء والأشكال والحركة بشكل محدود.
- علاجات دوائية وأبحاث الخلايا الجذعية: الأبحاث جارية على قدم وساق. تستهدف بعض الأدوية الجديدة إبطاء تراكم المواد السامة في الشبكية. كما أن أبحاث الخلايا الجذعية تهدف إلى إمكانية استبدال خلايا الشبكية التالفة بخلايا سليمة، ولكن هذه التقنية لا تزال في مراحل التجارب السريرية وتحتاج لمزيد من الوقت للتأكد من فعاليتها وأمانها.

العلاج الجيني ثورة أمل في علاج أمراض الشبكية الوراثية
- يُعتبر العلاج الجيني هو التطور الأكثر إثارة في مجال أمراض الشبكية الوراثية. إنه يمثل نقلة نوعية من مجرد إدارة الأعراض إلى محاولة تصحيح السبب الجذري للمرض.
-
ما هو العلاج الجيني وكيف يعمل؟
- يعتمد العلاج الجيني بشكل أساسي على مبدأ بسيط: إذا كان هناك جين معيب يسبب المرض، فلنحاول إدخال نسخة سليمة وصحيحة من هذا الجين إلى خلايا الشبكية المتأثرة.
- يتم تحقيق ذلك عادةً باستخدام ناقل، وهو في الغالب فيروس تم تعديله في المختبر ليصبح غير ممرض، ولكنه يحتفظ بقدرته على دخول الخلايا. يتم تحميل هذا الفيروس بالنسخة السليمة من الجين المستهدف.
- يتم حقن هذا الناقل الفيروسي بعناية فائقة داخل العين، غالباً تحت الشبكية بالقرب من الخلايا المستهدفة.
- بمجرد وصول الفيروس إلى خلايا الشبكية، فإنه يقوم بإيصال النسخة السليمة من الجين إلى داخلها.
- تبدأ الخلية بعد ذلك في استخدام هذا الجين الجديد الصحيح لإنتاج البروتين الذي كانت تفتقده أو تنتجه بشكل خاطئ، مما قد يساعد على استعادة وظيفتها، أو على الأقل وقف تدهورها. يعد هذا النهج تقدماً كبيراً في علاج أمراض الشبكية الوراثية.
لوكستورنا العلاج الجيني المعتمد الأول
- يمثل دواء لوكستورنا علامة فارقة، حيث كان أول علاج جيني يتم اعتماده من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ومنظمات صحية أخرى حول العالم لعلاج أمراض العين الوراثية.
- يستهدف لوكستورنا تحديداً المرضى الذين يعانون من فقدان البصر بسبب طفرات مؤكدة في كلا نسختي جين RPE65.
- أظهرت التجارب السريرية أن المرضى الذين تلقوا هذا العلاج الجيني أظهروا تحسناً ملحوظاً ومستمراً في قدرتهم على الرؤية في الإضاءة الخافتة وفي قدرتهم على التنقل في بيئات ذات إضاءة منخفضة، فتح لوكستورنا الباب أمام عصر جديد في علاج أمراض الشبكية الوراثية.
علاجات جينية واعدة قيد التطوير
- النجاح الذي حققه لوكستورنا حفز البحث والتطوير لعدد كبير من العلاجات الجينية الأخرى التي تستهدف جينات مختلفة مرتبطة بأنواع أخرى من أمراض الشبكية الوراثية.
- هناك تجارب سريرية جارية حالياً لعلاجات جينية تستهدف جينات مسببة لأنواع شائعة من التهاب الشبكية الصباغي، ومرض ستارغاردت، ومتلازمة أشر، وحتى أشكال جفاف الضمور البقعي المرتبط بالعمر.
- بعض هذه العلاجات تستخدم فيروسات ناقلة مشابهة للوكستورنا، بينما يستكشف البعض الآخر تقنيات أحدث مثل تقنية كريسبر لتحرير الجينات، والتي تتيح إمكانية تصحيح الطفرة الجينية مباشرة داخل خلايا المريض. يعتبر التقدم في علاج أمراض الشبكية الوراثية سريعاً جداً.
مزايا وتحديات العلاج الجيني
- المزايا: يعالج السبب الجذري للمرض، قد يوفر تحسناً طويل الأمد أو دائماً في الرؤية بعد علاج واحد، يمكن تطبيقه في مراحل مبكرة نسبياً لوقف تطور المرض قبل حدوث تلف كبير للخلايا، يقدم أملاً حقيقياً للمرضى الذين لم تكن لديهم خيارات علاجية فعالة في الماضي.
- التحديات: لا يزال العلاج الجيني متاحاً لعدد محدود من الطفرات الجينية، التكلفة الحالية مرتفعة جداً، قد تحدث مضاعفات نادرة مثل الالتهاب داخل العين أو استجابة مناعية ضد الفيروس الناقل، بعض أمراض الشبكية الوراثية ناتجة عن طفرات في جينات كبيرة جداً يصعب وضعها في النواقل الفيروسية الحالية، التأثير طويل المدى على مدى عقود لا يزال قيد الدراسة.
هل تبحث عن خيارات متقدمة لعلاج مشاكل العيون؟ تعرف على خدماتنا في عيادة د. حنتيرة للعيون بجدة حيث نوفر أحدث التقنيات مثل زراعة حلقات القرنية المخروطية لمساعدتك على استعادة رؤيتك بأمان وفعالية.
Leave A Comment