تُعد أمراض الشبكية الوراثية من المشكلات البصرية المعقدة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، وتنتج هذه الأمراض عن طفرات جينية تؤدي إلى تلف الخلايا المستقبلة للضوء في الشبكية، مما يسبب ضعفًا تدريجيًا في الرؤية، قد يصل إلى العمى التام في بعض الحالات، ومن أبرز هذه الأمراض: التهاب الشبكية الصباغي، ضمور الشبكية الوراثي، مرض ستارغاردت، واعتلال ليبر الخلقي.
مع تطور التكنولوجيا الطبية، أصبح العلاج الجيني واحدًا من أكثر الحلول الواعدة في هذا المجال، حيث يستهدف الجينات المعيبة لإصلاح الخلل الوراثي وإبطاء أو إيقاف فقدان البصر، وفي هذا المقال سنتناول طرق علاج أمراض الشبكية الوراثية المختلفة، مع التركيز على العلاج الجيني كأحدث التقنيات الطبية في هذا المجال.
ما هي أمراض الشبكية الوراثية؟
- التهاب الشبكية الصباغي (Retinitis Pigmentosa – RP)
يعتبر من أكثر أمراض الشبكية الوراثية شيوعًا، ويؤثر على الخلايا المستقبلة للضوء، مما يؤدي إلى فقدان الرؤية الليلية ثم فقدان الرؤية الطرفية مع مرور الوقت، ويُصيب المرض ملايين الأشخاص حول العالم، ويوجد أكثر من 50 جينًا مرتبطًا بحدوثه.
- مرض ستارغاردت (Stargardt Disease)
يصيب البقعة (المسؤولة عن الرؤية المركزية)، مما يؤدي إلى فقدان تدريجي للرؤية الحادة، ويحدث بسبب طفرات في جين ABCA4، وهو المسؤول عن التخلص من السموم الناتجة عن عملية الإبصار.
- اعتلال ليبر الخلقي (Leber Congenital Amaurosis – LCA)
أحد الأمراض الوراثية النادرة التي تظهر في سن مبكرة جدًا، وقد تؤدي إلى فقدان الرؤية بشكل شبه كامل خلال السنوات الأولى من العمر، ويحدث بسبب طفرات في عدة جينات، أبرزها RPE65.
- الضمور البقعي المرتبط بالعمر الوراثي (Genetic AMD)
رغم أنه مرض غير وراثي في العادة، إلا أن بعض الطفرات الجينية قد تساهم في زيادة خطر الإصابة به.
طرق علاج أمراض الشبكية الوراثية
بشكل عام لا يوجد علاج نهائي لأمراض الشبكية الوراثية حتى الآن، ولكن هناك عدة خطط علاجية تساعد في إبطاء تقدم المرض وتحسين جودة الحياة، ومنها:
- المكملات الغذائية والتغذية
تشير بعض الدراسات تشير إلى أن مكملات فيتامين A، أوميغا-3، ولوتين قد تساعد في حماية خلايا الشبكية من التلف، خاصة في مرض التهاب الشبكية الصباغي.
وتقليل التعرض للضوء الأزرق واستخدام نظارات واقية قد يساعد في حماية الشبكية من التدهور السريع.
- الأجهزة المساعدة والتقنيات البصرية
النظارات المكبرة والتقنيات المساعدة مثل نظارات الواقع المعزز يمكن أن تساعد المرضى في تحسين الرؤية الوظيفية، وأيضا الأجهزة القابلة للزرع مثل الشبكية الاصطناعية (مثل Argus II) توفر بديلاً جزئيًا للإبصار لدى المرضى المصابين بالعمى المتقدم.
- العلاجات الدوائية والخلايا الجذعية
الأبحاث مستمرة حول استخدام الخلايا الجذعية لتعويض الخلايا التالفة في الشبكية، ولكنها ما زالت في مراحل التجارب السريرية، وبعض الأدوية الجديدة تهدف إلى إبطاء تراكم السموم في الشبكية، مثل مثبطات C3 المستخدمة في علاج الضمور البقعي الجاف.
العلاج الجيني.. ثورة طبية في علاج أمراض الشبكية الوراثية
ما هو العلاج الجيني؟
يعتمد العلاج الجيني على إدخال جين سليم إلى خلايا الشبكية المصابة لتعويض الجين المعيب أو تعديل وظيفته. يتم ذلك عادةً من خلال فيروسات معدلة وراثيًا تُستخدم كناقلات لإيصال الجين الجديد إلى الخلايا المستهدفة.
كيف يعمل العلاج الجيني في أمراض الشبكية؟
- يتم تصميم ناقل فيروسي معدل بحيث يحمل الجين السليم.
- يُحقن الناقل داخل العين، غالبًا تحت الشبكية.
- يصل الفيروس إلى خلايا الشبكية وينقل الجين الجديد إلى داخلها.
- تبدأ الخلايا في استخدام هذا الجين لإنتاج البروتينات الضرورية لوظائف الشبكية، مما يساعد على وقف التدهور أو تحسين الرؤية.
أمثلة على العلاجات الجينية المعتمدة والتجريبية
يوضح دكتور محمد حنتيره دكتوراة طب وجراحة العيون وأستاذ مساعد شرفي (سابقا) جامعة أم القرى بالسعودية، ومدير عيادات عناية الرواد للعيون بجدة أمثلة العلاجات الجينية التي تم استخدامها أو تجربتها لعلاج أمراض الشبكية الوراثية مثل:
لوكستورنا (Luxturna)
يعتبر أول علاج جيني معتمد، تم اعتماده من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج اعتلال ليبر الخلقي الناتج عن طفرات في جين RPE65، ويعتمد على حقن فيروس يحمل نسخة سليمة من الجين داخل الشبكية، مما يساعد في استعادة بعض وظائف الرؤية، وأظهر المرضى الذين تلقوا العلاج تحسنًا في الرؤية الليلية والقدرة على تمييز الأشكال والألوان.
علاجات جينية قيد التجربة
وأضاف دكتور حنتيره أن هناك العديد من العلاجات الجينية الأخرى قيد التطوير لعلاج التهاب الشبكية الصباغي، مرض ستارغاردت، والضمور البقعي الجاف، وبعض هذه العلاجات تعتمد على تقنية CRISPR، التي تتيح تعديل الجينات بدقة عالية داخل الجسم.
مزايا العلاج الجيني:
- يعالج المرض من جذوره عبر تصحيح الطفرات الجينية المسببة له.
- قد يوفر تحسنًا دائمًا في الرؤية من خلال جلسة علاج واحدة فقط.
- يمكن تطبيقه في مراحل مبكرة من المرض لمنع فقدان البصر الكامل.
التحديات والمخاطر المحتملة:
ليس جميع أمراض الشبكية الوراثية لها علاج جيني حتى الآن، لأن بعض الأمراض ناتجة عن طفرات في أكثر من جين واحد، كما أن تكلفة العلاج الجيني مرتفعة جدًا، حيث يصل سعر بعض العلاجات إلى مئات الآلاف من الدولارات، وقد تحدث مضاعفات نادرة مثل الالتهابات أو استجابة مناعية غير مرغوبة تجاه الفيروس الناقل.
مستقبل العلاج الجيني لأمراض الشبكية
التطور السريع في الأبحاث الجينية قد يفتح المجال لعلاجات جديدة لأمراض الشبكية الوراثية، وتشمل بعض الاتجاهات المستقبلية:
- استخدام تقنية CRISPR لتعديل الجينات داخل العين مباشرة.
- تطوير طرق علاج جيني تعمل على إعادة برمجة الخلايا الجذعية داخل الشبكية نفسها.
- دمج العلاج الجيني مع تقنيات أخرى مثل الخلايا الجذعية والشبكية الاصطناعية لنتائج أفضل.
بالرغم من أن العلاجات الجينية لعلاج أمراض الشبكية الوراثية لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها توفر إمكانية علاج السبب الجذري للمرض، بدلاً من مجرد تخفيف الأعراض، ويتوقع العلماء أن تشهد السنوات القادمة ثورة في علاجات العيون، مما يمنح الأمل لملايين المرضى حول العالم الذين يعانون من أمراض الشبكية الوراثية.
Leave A Comment